ب
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] سم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
فيرى بعض المعاصرين أن المظاهرات بدعة مستوردة من الغرب ، فلم ترد في عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا في عصور الاحتجاج، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار !!
وأحسب أن هذا الرأي قد تجاوزه الزمن، وسقط قائله من حسابات المسلمين، ومن تعداد العلماء العاملين، فالمظاهرات حق يكفله الدستور وينظمه القانون، ويجيزه الشرع الحنيف .
وعلى الرغم من أن هذا الرأي يصطدم مع التعريف الاصطلاحي للبدعة، وهي ما كان حادثا ليس في الصدر الأول ، ويخالف الشرع، فإن كان حادثا لم يخالف الشرع فليس ببدعة.
وثمة اتجاهان للعلماء في التأصيل لهذه المشروعية :
الاتجاه الأول: يرى أن هذه المظاهرات من أمور العادات وليست من أمور العبادات والأصل في العادات الحل والجواز ما لم يرد دليل على الحرمة.
فالمظاهرات وسيلة تأخذ أحكام الوسائل، والأصل في الوسائل الإباحة، فإن كان المقصود من هذا التظاهر إظهار الحق، ورفض الظلم، وكشف الجرائم ، وشحذ همم الناس وألسنتهم وأقلامهم وأيديهم بما يملكون فعله فهي ممدوحة مندوبة؛ بل قد تصل إلى الوجوب أحيانا ..
وبناء على ذلك لا بأس أن يتجمع المسلمون ويخرجوا في مظاهرات لاستنكار أمر معين، ويعلنوا رفضهم له، ويطالبوا بالتدخل لمنعه إذا كانت هذه الطريقة مجدية ونافعة، ولسنا بحاجة إلى التدليل أو التأصيل لمشروعية العادة ما لم تصادم الشرع .
الاتجاه الثاني : يرى أن هذه المظاهرات مع العلم بأن الأصل فيها الإباحة غير أنا لا نعدم أدلة كثيرة في تراثنا الإسلامي على مشروعية التظاهر ، فالتظاهر مع الحق، وضد الباطل سنة مشروعة جارية، سنها الله في إظهار الإنكار على الفساد في قوله: "وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين "، وسنها في الابتهاج بالأعياد، ووداع الرسول صلى الله عليه وسلم للغزاة حين خروجهم والاحتفال بهم حال عودتهم، وفي إظهار القوة كما فعل مع أبي سفيان فألزمه رؤية قوة المسلمين، وقطع الطريق عليه أن يفكر في إمكان مواجهة القوة الضاربة للإسلام، ومن قبل طلب الرسول صلى الله عليه وسلم من الطائفين أن يهرولوا في الطواف إظهارا لقوة وصحة أجسامهم.
وقد عاب الله على الذين تعللوا بأنهم مستضعفون لا يقوون على رد الظلم فلم يقبل عللهم بل توعدهم بالعذاب في الآخرة
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا) .
وكل الأدلة التي تتحدث عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفقهه وآدابه تصلح للاحتجاج بها هنا في موضوع التظاهر، ويمكننا مطالعة هذه الأدلة من خلال هذا الرابط :
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فقهه وضوابطه
ولا مانع أن تخرج هذه المظاهرات من المساجد أو من أي مكان آخر ما دامت مكانة المسجد محفوظة ، والمتظاهرون متلزمون بآدب المسجد خاصة والأخلاق والسلوك الإسلامي بصفة عامة.
وإن كان حق التظاهر مكفولا للجميع بإباحة الشرع، ونص الدستور، وتنظيم القانون غير أن هذا الحق مقيد بألا يترتب عليه ضياع حق الغير ، فلا يجوز أن تحدث المظاهرات ضررا بالغير أو إتلافا لماله أو ممتلكاته.
بل الواجب أن تخلو من أي نوع من أنواع الإيذاء المادي أو المعنوي للآخرين ، فلا سب ولا قذف ، ولا إيذاء .
وعلى قوات الأمن التعاون مع المتظاهرين لإنجاح هذه المظاهرات وإخراجها بشكل حضاري لائق بتعاليم الإسلام والأعراف والتقاليد الإسلامية والعربية.
ولا مانع شرعا من خروج النساء في المظاهرات لتكثير سواد المسلمين، فالنساء شقائق الرجال، وهذا بشرط عدم وقوع محظور شرعي، مع مرعاة آداب وضوابط الاختلاط .